کد مطلب:90494 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:518
أُوصیكُمْ، عِبَادَ اللَّهِ، بِتَقْوَی اللَّهِ، وَ أَحْمُدُ إِلَیْكُمُ اللَّهَ الَّذی لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ. أَوَّلُ كُلِّ شَی ءٍ وَ آخِرُهُ، وَ مُبْتَدِئُ كُلِّ شَیْ ءٍ وَ مُعیدُهُ[1]. كُلُّ شَیْ ءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَ كُلُّ شَیْ ءٍ قَائِمٌ بِهِ، وَ كُلُّ شَیْ ءٍ ضَارِعٌ إِلَیْهِ، وَ كُلُّ شَیْ ءٍ مُشْفِقٌ مِنْهُ. خَشَعَتْ لَهُ الأَصْوَاتُ، وَ قَامَتْ بِأَمْرِهِ الأَرْضُ وَ السَّموَاتُ، وَ ضَلَّتْ دُونَهُ الأَعْلاَمُ، وَ كَلَّتْ دُونَهُ الأَبْصَارُ. سُبْحَانَهُ مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ، وَ أَجَلَّ سُلْطَانَهُ[2]. أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِكْمَةٌ، وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَةٌ، وَ كَلاَمُهُ نُورٌ، وَ سَخَطُهُ عَذَابٌ. وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، شَدیدُ النَّقْمَةِ، قَریبُ الرَّحْمَةِ[3]. یَقْضی بِعِلْمٍ، وَ یَعْفُو بِحِلْمٍ، غِنی كُلِّ فَقیرٍ، وَ عِزُّ كُلِّ ذَلیلٍ، وَ قُوَّةُ كُلِّ ضَعیفٍ، وَ مَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ. یَعْلَمُ مَا تُكِنُّ الصُّدُورُ، وَ مَا تَخُونُ الْعُیُونُ، وَ مَا فی قَعْرِ الْبُحُورِ، وَ مَا تُرْخی عَلَیْهِ السُّتُورُ. اَلرَّحیمُ بِخَلْقِهِ، الرَّؤُوفُ بِعِبَادِهِ، عَلی غِنَاهُ عَنْهُمْ وَ فَقْرِهِمْ إِلَیْهِ[4]. مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَ مَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَ مَنْ عَاشَ فَعَلَیْهِ رِزْقُهُ، وَ مَنْ مَاتَ فَإِلَیْهِ مُنْقَلَبُهُ[5]. اَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلی مَا تَأْخُذُ وَ تُعْطی، وَ عَلی مَا تُعَافی وَ تَبْتَلی[6]، وَ عَلی مَا تُمیتُ وَ تُحْیی، حَمْداً یَكُونُ أَرْضَی الْحَمْدِ لَكَ، وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَیْكَ، وَ أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ، حَمْداً یَمْلأُ مَا خَلَقْتَ، وَ یَبْلُغُ [صفحه 107] مَا أَرَدْتَ، حَمْداً لاَ یُحْجَبُ عَنْكَ، وَ لاَ یُقْصَرُ[7] دُونَكَ، وَ یَبْلُغُ فَضْلَ رِضَاكَ، حَمْداً یَفْضُلُ حَمْدَ مَنْ مَضی، وَ یَعْرِفُ حَمْدَ مَنْ بَقی[8]، حَمْداً لاَ یَنْقَطِعُ عَدَدُهُ، وَ لاَ یَفْنی مَدَدُهُ. فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ، إِلاَّ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ حَیٌّ قَیُّومٌ لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَ لاَ نَوْمٌ. لَمْ یَنْتَهِ إِلَیْكَ نَظَرٌ، وَ لَمْ یُدْرِكْكَ بَصَرٌ، وَ لاَ یَقْدِرُ قُدْرَتَكَ مَلَكٌ وَ لاَ بَشَرٌ[9]. أَدْرَكْتَ الأَبْصَارَ، وَ كَتَمْتَ الآجَالَ[10]، وَ أَحْصَیْتَ الأَعْمَالَ[11]، وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصی وَ الأَقْدَامِ. لَمْ تُعَنْ فی قُدْرَتِكَ، وَ لَمْ تُشَارَكْ فی إِلهَیَّتِكَ، وَ لاَ یَبْلُغُكَ بُعْدُ الْهِمَمِ، وَ لاَ یَنَالُكَ غَوْصُ الْفِطَنِ، وَ لاَ یَنْتَهی إِلَیْكَ نَظَرُ النَّاظِرینَ. إِرْتَفَعَتْ عَنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقینَ صِفَةُ قُدْرَتِكَ، فَلاَ یَنْتَقِصُ مَا أَرَدْتَ أَنْ یَزْدَادَ، وَ لاَ یَزْدَادُ مَا أَرَدْتَ أَنْ یَنْتَقِصَ. وَ كَیْفَ تُدْرِكُكَ الصِّفَاتُ، أَوْ تَحْویكَ الْجِهَاتُ، وَ قَدْ حَارَتْ فی مَلَكُوتِكَ مَذَاهِبُ التَّفْكیرِ، وَ حَسِرَ عَنْ إِدْرَاكِكَ بَصَرُ الْبَصیرِ[12]. وَ مَا الَّذی نَری مِنْ خَلْقِكَ، وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ، وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظیمِ سُلْطَانِكَ، وَ مَا تَغَیَّبَ عَنَّا مِنْهُ، وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ، وَ انْتَهَتْ[13] عُقُولُنَا دُونَهُ، وَ حَالَتْ سُتُورُ[14] الْغُیُوبِ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ، أَعْظَمُ. فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ، وَ أَعْمَلَ فِكْرَهُ، لِیَعْلَمَ كَیْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ، وَ كَیْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ، وَ كَیْفَ عَلَّقْتَ فِی الْهَوَاءِ سَموَاتِكَ، وَ كَیْفَ مَدَدْتَ عَلی مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ، ضَلَّ هُنَالِكَ التَّدْبیرُ فی تَصَاریفِ الصِّفَاتِ لَكَ. [صفحه 108] فَمَنْ تَفَكَّرَ فی ذَلِكَ[15] رَجَعَ طَرْفُهُ حَسیراً، وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً، وَ سَمْعُهُ وَ الِهاً، وَ فِكْرُهُ حَائِراً. وَ كَیْفَ یُطْلَبُ عِلْمُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عِزِّ شَأْنِكَ، إِذَا أَنْتَ فِی الْغُیُوبِ وَ لَمْ یَكُنْ فیهَا غَیْرُكَ، وَ لَمْ یَكُنْ لَهَا سِوَاكَ؟. لَمْ یَشْهَدْكَ أَحَدٌ حَیْثُ فَطَرْتَ الْخَلْقَ، وَ لاَ نِدٌّ حَضَرَكَ حینَ ذَرَأْتَ النُّفُوسَ. فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مُتَوَالِیاً یَدُومُ وَ لاَ یَبیدُ، غَیْرَ مَفْقُودٍ فِی الْمَلَكُوتِ، وَ لاَ مُنْتَقَصٍ فِی الْعِرْفَانِ، فِی اللَّیْلِ إِذَا أَدْبَرَ، وَ فِی الصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ، بِالْغُدُوِّ وَ الآصَالِ، وَ الْعَشِیِّ وَ الاِبْكَارِ. كَلَّتِ الأَلْسُنُ عَنْ صِفَتِكَ، وَ انْحَسَرَتِ الْعُقُولُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِكَ، وَ تَوَاضَعَتِ الْمُلُوكُ لِهَیْبَتِكَ، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِعِزَّتِكَ، وَ انْقَادَ كُلُّ شَیْ ءٍ لِقُدْرَتِكَ، وَ خَضَعَتِ الرِّقَابُ لِسُلْطَانِكَ. وَ كَیْفَ لاَ یَعْظُمُ شَأْنُكَ عِنْدَ مَنْ عَرَفَكَ، وَ هُوَ یَری مِنْ عِظَمِ خَلْقِكَ مَا یَمْلأُ قَلْبَهُ، وَ یُذْهِلُ عَقْلَهُ، مِنْ رَعْدٍ یَقْرَعُ الْقُلُوبَ، وَ بَرْقٍ یَخْطَفُ الْعُیُونَ؟[16]. لَمْ تَرَكَ الْعُیُونُ فَتُخْبِرَ عَنْكَ، بَلْ كُنْتَ قَبْلَ الْوَاصِفینَ مِنْ خَلْقِكَ. لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَةٍ، وَ لاَ اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَةٍ، وَ لاَ یَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبْتَ، وَ لاَ یُفْلِتُكَ مَنْ أَخَذْتَ، وَ لاَ یَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ، وَ لاَ یَزیدُ فی مُلْكِكَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَ لاَ یَرُدُّ أَمْرَكَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَكَ، وَ لاَ یَسْتَغْنی عَنْكَ مَنْ تَوَلَّی عَنْ أَمْرِكَ. كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلاَنِیَةٌ، وَ كُلُّ غَیْبٍ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ. أَنْتَ الأَبَدُ لاَ أَمَدَ لَكَ، وَ أَنْتَ الْمُنْتَهی لاَ مَحیصَ عَنْكَ، وَ أَنْتَ الْمَوْعِدُ لاَ مَنْجَا مِنْكَ[17]. بِیَدِكَ نَاصِیَةُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَ إِلَیْكَ مَصیرُ كُلِّ نَسَمَةٍ، وَ بِإِذْنِكَ تَسْقُطُ كُلِّ وَرَقَةٍ[18]. سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ[19] مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ. سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَری مِنْ خَلْقِكَ، وَ مَا أَصْغَرَ عَظیمَهُ فی جَنْبِ قُدْرَتِكَ. وَ مَا أَهْوَلَ مَا نَری مِنْ مَلَكُوتِكَ، وَ مَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فیمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ، وَ مَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِی الدُّنْیَا، وَ مَا أَحْقَرَهَا[20] [صفحه 109] وَ مَا أَصْغَرَهَا فی جَنْبِ[21] نِعَمِ[22] الآخِرَةِ. مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَنْشَأْتَهُمْ إِنْشَاءً، فَ[23] أَسْكَنْتَهُمْ سَموَاتِكَ، وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ، وَ أَكْرَمْتَهُمْ بِجُودِكَ، وَ ائْتَمَنْتَهُمْ عَلی وَحْیِكَ، وَ جَنَّبْتَهُمُ الآفَاتِ، وَ وَقَیْتَهُمُ الْبَلِیَّاتِ، وَ طَهَّرْتَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، فَلَیْسَ فیهِمْ فَتْرَةٌ، وَ لاَ عِنْدَهُمْ غَفْلَةٌ، وَ لاَ بِهِمْ مَعْصِیَةٌ، لاَ یَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُیُونِ، وَ لاَ سَهْوُ الْعُقُولِ، وَ لاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ[24]. هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ، وَ أَخْوُفُهُمْ لَكَ، وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْكَ، لَمْ یَسْكُنُوا الأَصْلاَبَ، وَ لَمْ یُضَمَّنُوا الأَرْحَامَ، وَ لَمْ یُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهینٍ، وَ لَمْ یَتَشَعَّبْهُمْ[25] رَیْبُ الْمَنُونِ. وَ لَوْ لاَ تَقْوِیَتُكَ لَمْ یَقْوَوْا، وَ لَوْ لاَ تَثْبیتُكَ لَمْ یَثْبُتُوا، وَ لَوْ لاَ رَهْبَتُكَ لَمْ یُطیعُوا، وَ لَوْ لاَ أَنْتَ لَمْ یَكُونُوا[26]. وَ إِنَّهُمْ عَلی مَكَانِهِمْ مِنْكَ، وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ، وَ اسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فیكَ، وَ كَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ، وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ، لَوْ عَایَنُوا كُنْهَ مَا خَفِیَ عَلَیْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ، وَ لَزَرَوْا[27] عَلی أَنْفُسِهِمْ، وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ یَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَ لَمْ یُطیعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ. سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً. وَ سُبْحَانَكَ[28] بِحُسْنِ بَلاَئِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ مَحْمُوداً. وَ سُبْحَانَكَ[29] خَلَقْتَ دَاراً وَ جَعَلْتَ فیهَا مَأْدَبَةً: مَشْرَباً وَ مَطْعَماً، وَ أَزْوَاجاً وَ خَدَماً، وَ قُصُوراً وَ أَنْهَاراً، وَ زُرُوعاً وَ ثِمَاراً. ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِیاً یَدْعُو إِلَیْهَا، فَلاَ الدَّاعِیَ إِلَیْهَا أَجَابُوا، وَ لاَ فیمَا رَغَّبْتَ فیهِ رَغِبُوا، وَ لاَ إِلی مَا شَوَّقْتَ إِلَیْهِ اشْتَاقُوا. [ بَلْ ] أَقْبَلُوا عَلی جیفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَ اصْطَلَحُوا عَلی حُبِّهَا، وَ أَعْمَتْ أَبْصَارَ صَالِحی زَمَانِهَا، وَ فی قُلُوبِ فُقَهَائِهِمْ مِنْ عِشْقِهَا[30]، وَ مَنْ عَشِقَ شَیْئاً أَعْشی [صفحه 110] بَصَرَهُ، وَ أَمْرَضَ قَلْبَهُ، وَ أَمَاتَ لُبَّهُ[31]، فَهُوَ یَنْظُرُ بِعَیْنٍ غَیْرِ صَحیحَةٍ، وَ یَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَیْرِ سَمیعَةٍ. قَدْ خَرَقَتِ[32] الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ، وَ أَمَاتَتِ الدُّنْیَا قَلْبَهُ، وَ وَلِهَتْ عَلَیْهَا نَفْسُهُ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَ لِمَنْ فی یَدَیْهِ[33] شَیْ ءٌ مِنْهَا، حَیْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَیْهَا، وَ حَیْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَیْهَا. لاَ یَنْزَجِرُ[34] مِنَ اللَّهِ بِزَاجِرٍ، وَ لاَ یَتَّعِظَ مِنْهُ بِوَاعِظٍ، وَ هُوَ یَرَی الْمَأْخُوذینَ عَلَی الْغِرَّةِ، حَیْثُ فَارَقُوا الدُّورَ، وَ صَارُوا إِلَی الْقُبُورِ، وَ حُشِرُوا إِلی دَارٍ دَانَتْ لَهُمْ فیهَا دَوَاهِی الأُمُورِ، فَ[35] لاَ إِقَالَةَ لَهُمْ وَ لاَ رَجْعَةَ، فَعَلِمَ كُلُّ عَبْدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مَغْرُوراً مَخْدُوعاً. فَسُبْحَانَ اللَّهِ[36] كَیْفَ بِهِمْ إِذَا[37] نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا یَجْهَلُونَ، وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا مَا كَانُوا یَأْمَنُونَ، وَ قَدِمُوا مِنَ الآخِرَةِ عَلی مَا كَانُوا یُوعَدُونَ. فَغَیْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ، اجْتَمَعَتْ عَلَیْهِمْ خَلَّتَانِ[38]: سَكْرَةُ الْمَوْتِ، وَ حَسْرَةُ الْفَوْتِ. فَاغْبَرَّتْ لَهَا وُجُوهُهُمْ[39]، وَ فَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ، وَ تَغَیَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ، وَ عَرِقَتْ لَهَا جِبَاهُهُمْ، وَ حَرَّكُوا لِمَخْرَجِ أَرْوَاحِهِمْ أَیْدِیَهُمْ[40]. ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فیهِمْ وُلُوجاً، فَحیلَ بَیْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَیْنَ مَنْطِقِهِ، وَ إِنَّه لَبَیْنَ أَهْلِهِ یَنْظُرُ بِبَصَرِهِ، وَ یَسْمَعُ بِأُذُنِهِ، عَلی صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ، وَ بَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ، یُفَكِّرُ: فیمَ أَفْنی عُمْرَهُ، وَ فیمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ، وَ یَتَذَكَّرُ أَمْوَالاً جَمَعَهَا، وَ حُقُوقاً مَنَعَهَا، وَ قَدْ[41] أَغْمَضَ فی مَطَالِبِهَا، وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَ مُشْتَبَهَاتِهَا، قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا، وَ أَشْرَفَ عَلی فِرَاقِهَا، تَبْقی لِمَنْ وَرَاءَهُ یَنْعَمُونَ فیهَا، وَ یَتَمَتَّعُونَ بِهَا، [صفحه 111] فَیَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَیْرِهِ، وَ الْعِبْ ءُ عَلی ظَهْرِهِ، وَ حِسَابُهَا عَلَیْهِ[42]. وَ الْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا، فَهُوَ یَعَضُّ یَدَهُ نَدَامَةً عَلی مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ، وَ یَزْهَدُ فیمَا كَانَ یَرْغَبُ فیهِ أَیَّامَ عُمُرِهِ، وَ یَتَمَنَّی أَنَّ الَّذی كَانَ یَغْبِطُهُ بِهَا، وَ یَحْسُدُهُ عَلَیْهَا، قَدْ حَازَهَا دُونَهُ. فَلَمْ یَزَلِ الْمَوْتُ بِالْمَرْءِ یَزیدُهُ وَ[43] یُبَالِغُ فی جَسَدهِ، حَتَّی خَالَطَ لِسَانَهُ وَ سَمْعَهُ، فَصَارَ بَیْنَ أَهْلِهِ لاَ یَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، وَ لاَ یَسْمَعُ بِسَمْعِهِ، یُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فی وُجُوهِهِمْ، یَری حَرَكَاتٍ أَلْسِنَتِهِمْ، وَ لاَ یَسْمَعُ[44] رَجْعَ كَلاَمِهِمْ. ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ بِهِ الْتِیَاطاً، فَقَبَضَ بَصَرَهُ كَمَا قَبَضَ سَمْعَهُ، فَذَهَبَتْ مِنَ الدُّنْیَا مَعْرِفَتُهُ، وَ هَمَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حُجَّتُهُ. وَ مَا زَالَ الْمَوْتُ یَزیدُهُ حَتَّی خَالَطَ عَقْلَهُ، فَصَارَ لاَ یَعْقِلُ بِعَقْلِهِ، وَ لاَ یَسْمَعُ بِسَمْعِهِ، وَ لاَ یَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، [ وَ لاَ یُبْصِرُ بِعَیْنِهِ ]. فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّی بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ. ثُمَّ زَادَهُ الْمَوْتُ حَتَّی[45] خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ، فَصَارَ جیفَةً عِنْدَ[46] أَهْلِهِ، قَدْ أُوحِشُوا مِنْ جَانِبِهِ، وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ، لاَ یُسْعِدُ[47] بَاكِیاً، وَ لاَ یُجیبُ دَاعِیاً. ثُمَّ أَخَذُوا فی غَسْلِهِ فَنَزَعُوا عَنْهُ ثِیَابَ أَهْلِ الدُّنْیَا. ثُمَّ كَفَّنُوهُ فَلَمْ یُوَزِّرُوهُ، ثُمّ أَلْبَسُوُهُ قَمیصاً لَمْ یَكْفَؤُوا عَلَیْهِ أَسْفَلَهُ وَ لَمْ یُزِرُّوهُ[48]. ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلی مَخَطٍّ[49] فِی الأَرْضِ فَأَدْخَلُوهُ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ[50] وَ أَسْلَمُوهُ فیهِ إِلی عَمَلِهِ، [صفحه 112] وَ انْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ، وَ خَلُّوهُ بِمُفْظِعَاتِ الأُمُورِ، وَ تَحْتَ مَسْأَلَةِ مُنْكَرَ وَ نَكیرٍ، مَعَ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَ ضیقِهِ وَ وَحْشَتِهِ. فَذَلِكَ مَثْوَاهُ حَتَّی یَبْلی جَسَدُهُ، وَ یَصیرَ رُفَاتاً رَمیماً[51]. حَتَّی إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَ الأَمْرُ مَقَادیرَهُ، وَ أُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ، وَ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا یُریدُهُ مِنْ تَجْدِیدِ خَلْقِهِ[52]، أَمَادَ[53] السَّمَاءَ فَفَتَقَهَا[54]، وَ فَطَرَهَا، وَ أَفْزَعَ مَنْ فیهَا، وَ بَقِیَ مَلاَئِكَتُهَا قَائِمَةً عَلی أَرْجَائِهَا. ثُمَّ وَصَلَ الأَمْرُ إِلَی الأَرَضینَ، وَ الْخَلْقُ رُفَاتٌ لاَ یَشْعُرُونَ[55]، وَ أَرَجَّ[56] الأَرْضَ وَ أَرْجَفَهَا بِهِمْ، وَ زَلْزَلَهَا عَلَیْهِمْ[57]، وَ قَلَعَ جِبَالَهَا مِنْ أُصُولِهَا[58] وَ نَسَفَهَا وَ سَیَّرَهَا[59]، وَ دَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَیْبَةِ جَلاَلَتِهِ، وَ مَخُوفِ سَطْوَتِهِ، ثُمَّ كَانَتْ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، قَدْ دُكَّتْ هِیَ وَ أَرْضُهَا دَكَّةً وَاحِدَةً[60]. وَ أَخْرَجَ مَنْ فیهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلاَقِهِمْ[61]، وَ جَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفْریقِهِمْ[62]. ثُمَّ مَیَّزَهُمْ لِمَا یُریدُ مِنْ تَوْقیفِهِمْ[63]، وَ مَسْأَلَتِهِمْ[64] عَنْ خَفَایَا الأَعْمَالِ، وَ خَبَایَا الأَفْعَالِ. فَمَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ یُجْزیهِ بِأَعْمَالِهِ وَ إِحْسَانِهِ، وَ مَنْ أَسَاءَ مِنْهُمْ یُجْزیهِ بِإِسَاءَتِهِ. ثُمَّ مَیَّزَهُمْ[65] وَ جَعَلَهُمْ فَریقَیْنِ: [صفحه 113] أَنْعَمَ عَلی هؤُلاَءِ وَ انْتَقَمَ[66] مِنْ هؤُلاَءِ[67]. فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ، وَ خَلَّدَهُمْ فی دَارٍهِ، فَعَیْشٌ رَغَدٌ، وَ مُجَاوَرَةُ رَبٍّ كَریمٍ، وَ مُرَافَقَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ[68]، حَیْثُ لاَ یَظْعَنُ النُزَّالُ، وَ لاَ تَتَغَیَّرُ بِهِمُ الْحَالُ، وَ لاَ تَنُوبُهُمُ الأَفْزَاعُ[69]، وَ لاَ تَنَالُهُمُ الأَسْقَامُ، وَ لاَ تَعْرِضُ لَهُمُ الأَخْطَارُ، وَ لاَ تُشْخِصُهُمُ الأَسْفَارُ. وَ أَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِیَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ، وَ خَلَّدَهُمْ فِی النَّارِ[70]، وَ غَلَّ الأَیْدیَ إِلَی الأَعْنَاقِ، وَ قَرَنَ النَّوَاصِیَ بِالأَقْدَامِ، وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابیلَ الْقَطِرَانِ، وَ مُقَطَّعَاتِ النّیرَانِ. فی عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ، وَ بَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلی أَهْلِهِ، فی نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَ لَجَبٌ[71]، وَ لَهَبٌ سَاطِعٌ، وَ قَصیفٌ هَائِلٌ، لاَ یَظْعَنُ مُقیمُهَا، وَ لاَ یُفَادی أَسیرُهَا، وَ لاَ تُفْصَمُ كُبُولُهَا. لاَ مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنی، وَ لاَ أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَیُقْضی. فَهَلْ سَمِعْتُمْ بِمِثْلِ هذَا الثَّوَابِ وَ العِقَابِ؟. مَا لِلنَّاسِ مِنْ هَوْلٍ نَامَ طَالِبُهُ، وَ أَدْرَكَهُ هَارِبُهُ، أَوْ تَشَاغَلَ عَنْهُ بِغَیْرِهِ. تَشَاغَلَ أَهْلُ الدُّنْیَا بِدُنْیَاهُمْ، وَ تَشَاغَلَ أَهْلُ الآخِرَةِ بِأُخْرَاهُمْ. فَأَمَّا أَهْلُ الدُّنْیَا فَأَتْعَبُوا أَبْدَانَهُمْ، وَ دَنَّسُوا أَعْرَاضَهُمْ، وَ خَرَجُوا عَنْ دِیَارِهِمْ فی طَاعَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلَهِمْ، تَعَبَّدُوا لَهُ، وَ طَلَبُوا مَا فی یَدِهِ، وَ أَذْعَنُوا لَهُ، وَ وَطِئُوا عَقِبَهُ، فَصَارَ أَحَدُهُمْ یَرْجُو عَبْداً مِثْلَهُ، لاَ یَرْجُو اللَّهَ وَحْدَهُ[72]. یَدَّعی، بِزَعْمِهِ، أَنَّهُ یَرْجُو اللَّهَ. كَذَبَ وَ الْعَظیمِ. مَا بَالُهُ لاَ یَتَبَیَّنُ رَجَاؤُهُ فی عَمَلِهِ؟. فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فی عَمَلِهِ، وَ كُلُّ رَجَاءٍ إِلاَّ رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالی فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ، وَ كُلُّ خَوْفٍ [صفحه 114] مُحَقَّقٌ إِلاَّ خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ. یَرْجُو اللَّهَ فِی الْكَبیرِ، وَ یَرْجُو الْعِبَادَ فِی الصَّغیرِ، وَ یُعْطِی الْعَبْدَ مَا لاَ یُعْطِی الرَّبَّ، وَ یَخَافُ الْعَبیدَ فِی الرَّبِّ، وَ لاَ یَخَافُ فِی الْعَبیدِ الرَّبَّ[73]. فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ[74] یُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا یُصْنَعُ بِعِبَادِهِ[75] ؟ أَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ فی رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً، أَوْ تَكُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً؟. وَ كَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبیدِهِ، أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لاَ یُعْطی رَبَّهُ، فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً، وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِمْ[76] ضِمَاراً[77] وَ وَعْداً. وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فی عَیْنِهِ، وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا فی قَلْبِهِ، آثَرَهَا عَلَی اللَّهِ تَعَالی، فَانْقَطَعَ إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا. وَ أَمَّا صَاحِبُ الطَّاعَةِ فَاتَّبَعَ أَثَرَ نَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ سَلَكَ مَنَاهِجَهُ[78]. وَ لَقَدْ كَانَ فی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَافٍ لَكَ فِی الأُسْوَةِ [ الْ ] حَسَنَةِ[79]، وَ دَلیلٌ لَكَ عَلی ذَمِّ الدُّنْیَا وَ عَیْبِهَا، وَ كَثْرَةِ مَخَازِیهَا وَ مَسَاویهَا، إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا، وَ وُطِئَتْ لِغَیْرِهِ أَكْنَافُهَا، وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا، وَ زُوِیَ عَنْ زَخَارِفِهَا. وَ [ قَدْ ] عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِیَاراً، وَ بَسَطَهَا لِغَیْرِهِ احْتِقَاراً[80]. [صفحه 115] وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّیْتُ بِمُوسی كَلیمِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلامُ[81] إِذْ[82] یَقُولُ: رَبِّ إِنّی لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَیَّ مِنْ خَیْرٍ فَقیرٌ[83]. وَ اللَّهِ، مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً یَأْكُلُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ یَأكُلُ بَقْلَةَ الأَرْضِ. وَ لَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُری مِنْ شَفیفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ، لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ. وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ عَلَیْهِ السَّلامُ[84] صَاحِبِ الْمَزَامیرِ، وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَقَدْ كَانَ یَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِیَدِهِ، وَ یَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: أَیُّكُمْ یَكْفینی بَیْعَهَا، وَ یَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعیرِ مِنْ ثَمَنِهَا. وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فی عیسَی بْنِ مَرْیَمَ عَلَیْهِمَا السَّلاَمِ[85]، فَلَقَدْ كَانَ یَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ، وَ یَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَ یَأْكُلُ الْجَشِبَ. وَ كَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ، وَ سِرَاجُهُ بِاللَّیْلِ الْقَمَرَ، وَ ظِلاَلُهُ فِی الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الأرْضِ وَ مَغَارِبَهَا، وَ فَاكِهَتُهُ وَ رَیْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ. وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَ لاَ وَلَدٌ یَحْزُنُهُ[86]، وَ لاَ مَالٌ یَلْفِتُهُ[87]، وَ لاَ طَمَعٌ یُذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ، وَ خَادِمُهُ یَدَاهُ. فَتَأَسَّ بِنَبِیِّكَ الأَطْیَبِ الأَطْهَرِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ [ وَ ] اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ، حینَ حَقَّرَ الدُّنْیَا وَ صَغَّرَهَا، وَ أَهْوَنَ بِهَا وَ هَوَّنَهَا، فَإِنَّ فیهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّی، وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّی. وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ[88] إِلَی اللَّهِ تَعَالَی[89] الْمُتَأَسّی بِنَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، وَ الْمُقْتَصُّ لأَثَرِهِ، [صفحه 116] قَضَمَ الدُّنْیَا قَضْماً، وَ لَمْ یُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْیَا كَشْحاً، وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً. عُرِضَتْ عَلَیْهِ الدُّنْیَا بِمَفَاتیحِهَا وَ خَزَائِنِهَا، لاَ یَنْقُصُهُ ذَلِكَ مِنْ حَظِّهِ مِنَ الآخِرَةِ[90]، فَأَبی أَنْ یَقْبَلَهَا، وَ عَلِمَ[91] أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالی أَبْغَضَ شَیْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَ حَقَّرَ شَیْئاً فَحَقَّرَهُ، وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ. وَ لَوْ لَمْ یَكُنْ فینَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ[92]، وَ تَعْظیمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ[93]، لَكَفی بِهِ شِقَاقاً للَّهِ، وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالی. فَلَقَدْ كَانَ نَبِیُّنَا[94] صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ یَأْكُلُ عَلَی الأَرْضِ، وَ یَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَ یَخْصِفُ بِیَدِهِ نَعْلَهُ، وَ یَرْقَعُ بِیَدِهِ ثَوْبَهُ، وَ یَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ وَ یُرْدِفُ خَلْفَهُ. وَ یَكُونُ السِّتْرَ عَلی بَابِ بَیْتِهِ فَتَكُونُ فیهِ التَّصَاویرُ، فَیَقُولُ: یَا فُلاَنَةُ، لإِحْدی أَزْوَاجِهِ[95]، غَیِّبیهِ عَنّی[96]، فَإِنّی إِذَا نَظَرْتُ إِلَیْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا[97]. فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْیَا بِقَلْبِهِ، وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَ أَحَبَّ أَنْ تَغیبَ زینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ، لِكَیْلاَ یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً، وَ لاَ یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، أَوْ[98] یَرْجُوَ فیهَا مُقَاماً، فَأخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وَ غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ. وَ كَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَیْئاً أَبْغَضَ أَنْ یَنْظُرَ إِلَیْهِ، وَ أَنْ یُذْكَرَ عِنْدَهُ. وَ لَقَدْ كَانَ فی رَسُولِ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مَا یَدُلُّكَ عَلی مَسَاوِئِ الدُّنْیَا وَ عُیُوبِهَا، إِذْ جَاعَ فیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ، وَ زُوِیَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظیمِ زُلْفَتِهِ. فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ، أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالی مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ؟. [صفحه 117] فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظیمِ، وَ أَتی بِالإِفْكِ الْعَظیمِ. وَ إِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ، فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ[99] بَسَطَ الدُّنْیَا لَهُ، وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ وَ أَعَزِّهِمْ عَلَیْهِ[100]. فَتَاَسَّی مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ، وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَ إِلاَّ فَلاَ یَأْمَنِ الْهَلَكَةَ[101]. فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَماً لِلسَّاعَةِ، وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ. بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً، وَ نَصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً، وَ دَعَا إِلَی الْجَنَّةِ مُبَشِّراً، وَ خَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً. خَرَجَ مِنَ الدُّنْیَا خَمیصاً، وَ وَرَدَ الآخِرَةَ سَلیماً. لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلی حَجَرٍ، وَ لاَ لَبِنَةَ عَلی لَبِنَةٍ[102]، حَتَّی مَضی لِسَبیلِهِ، وَ أَجَابَ دَاعِیَ رَبِّهِ. فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حینَ[103] أَنْعَمَ عَلَیْنَا بِهِ سَلَفَاً نَتَّبِعُهُ، وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ. وَ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذی أَكْرَمَنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً وَ حُجَّةً، فَجَلَّتْ وَ وَصَلَتْ إِلَیْنَا نِعَمُهُ بِنِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا عَلَیْنَا، فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ، وَ نَاصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَ دَاعِیاً. فَمَا أَعْظَمَ النِّعْمَةَ عَلَیْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فَبِهِ هَدَانَا اللَّهُ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَ اسْتَنْقَذَنَا بِهِ مِنْ جَمَرَاتِ النَّارِ، وَ بَصَّرَنَا بِهِ مِنَ الْعَمی، وَ عَلَّمَنَا بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ، وَ أَعَزَّنَا بِهِ فِی خَلَّتِنَا، وَ كَثَّرَنَا بِهِ فی قِلَّتِنَا، وَ رَفَعَ بِهِ خَسیسَنَا، وَ نَحْنُ بَعْدُ نَرْجُو شَفَاعَتَهُ. وَ اللَّهُ أَوْجَبَ حَقَّهُ عَلَیْنَا فَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ عَلَیْهِ، فَصَلُّوا عَلَیْهِ، صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فلمّا فرغ علیه السلام من الصلاة قام إلیه رجل فقال: یا أمیر المؤمنین قد عظّمت اللّه فلم تأل فی تعظیمه، و حمدته فلم تأل فی تحمیده، و حثثت الأمة و زهّدت و رغّبت. [صفحه 118] فقال علیه السلام:[104]. نَحْنُ، أَهْلُ الْبَیْتِ[105]، شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ، وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ، وَ مَوَاطِنُ الْحِلْمِ، وَ مَصَابیحُ الظُّلَمِ[106]، وَ یَنَابیعُ الْحِكَمِ. نَحْنُ أَصْحَابُ رَایَاتِ بَدْرٍ، لاَ یَنْصُرُنَا إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَ لاَ یَخْذُلُنَا إِلاَّ مُنَافِقٌ. مَنْ نَصَرَنَا نَصَرَهُ اللَّهُ، وَ مَنْ خَذَلَنَا خَذَلَهُ اللَّهُ فِی الدُّنْیَا وَ الآخِرَةِ. وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ أَقْوَاماً بَایَعُونی وَ فی قُلُوبِهِمُ الْغَدْرُ. أَلاَ وَ إِنّی لَسْتُ أُقَاتِلُ إِلاَّ مَارِقاً یَمْرُقُ مِنْ دینِهِ، وَ نَاكِثاً بِبَیْعَتِهِ یُریدُ الْمُلْكَ لِنَفْسِهِ، یَبیعُ دینَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْیَا قَلیلٍ، وَ إِنَّمَا یُقَاتِلُ مَعَنَا مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَ سَعی لَهَا سَعْیَهَا. أَلاَ إِنَّ[107] نَاصِرَنَا وَ مُحِبَّنَا یَنْتَظِرُ فی كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ[108] الرَّحْمَةَ مِنَ اللَّهِ[109]، وَ إِنَّ[110] خَاذِلَنَا[111] وَ مُبْغِضَنَا یَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ[112] مِنَ اللَّهِ كُلَّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ. فَلْیُبَشَّرْ وَلِیُّنَا بِالأَرْبَاحِ الْوَافِرَةِ، وَ الْجَنَّةِ الْعَالِیَةِ، وَ لْیَنْتَظِرْ عَدُوُّنَا النَّقْمَةَ فِی الدُّنْیَا وَ الآخِرَةِ[113].
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحیِم اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمینَ، [ وَ الصَّلاَةُ عَلی مُحَمَّدٍ سَیِّدِ الْمُرْسَلینَ ].
صفحه 107، 108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118.
و نسخة العطاردی ص 184. و نسخة الصالح ص 226. و نسخة الأسترابادی ص 219. و نسخة العطاردی ص 186. و نسخة الصالح ص 228.